Qui êtes-vous ?

Ma photo
un cadre qui subit l'arbitraire

dimanche 24 juillet 2011

كيف يمكننا أن ننصف احمد خطري؟/ حنفي ولد دهاه

بدأت امس محاكمة صديقي الرائع احمد ولد خطري..

هي أعوام ثلاثة تجرع فيها صابَ الظلم وعلقمَه، محتسباً لدى من لاحسيب له ولا رقيب عليه سواه.. استهانه البغاة، واستضعفوه، فعَجَموه، كما يعجم قضيب الخيزران، واستذلوه كما يُستذَلُ فقع القاع، فرفع أمره إلى من رفع السماء بغير عمد..إلى من لا "عزيز" لديه بغير تقوى، ولا "محسن" عنده بغير إحسان.


.. استصغروا فيه عظيما بـ"أصغريه"، واحتقروا منه جليلا بنبله وكرم أخلاقه، فابتهل إلى الله دعوةَ ضارع ليس بينها وبين خالقها حجاب:

- اللهم إنني اشكو إليك ضعفي وقلة حيلتي وهواني علي الناس!

كم استيقظت في جوف الليل على ولد خطري (وقد كنّا رهيني محبس واحد) ، وهو يُنيب الى ربه، فيشكو بثه وحزنه وهوانه على من ظلموه.. ويقينى أن بارئ النسم، وخالق البشر من عدم، سينتصر لهذا الرجل المغلوب على أمره، الذي لا ذنب له، سوى أنه خرج عن طوع ولد الحاج، الذي كان يعامله على أنه بذرته التي حان حصاد زرعها، وناقته الحلوب التي لا يَملّ استدرار ضرعها.

عرفت ولد خطري، أيام كان مديرا لصناديق القرض والادخار..كان ليّن الطبع، موطّأ الأكناف، يَأَلف ويَؤلف.. جمعني وإياه احد حلفائه السياسيين.. فأعرب لي عن متابعته و إعجابه بما أكتب في "القلم" و "صحيفة تقدمي" التي كانت لا تزال ناشئة، وبدأت العلاقة بيني وبينه تنمو، إلى ان تم سجنه.

لا يمكنني أن أحدثكم كثيرا عن خِلال ولد خطري قبل سجنه، لأنني لم التق به قبل سفري الى الولايات المتحدة إلا لماما.. كانت احداهما بمناسبة عشاء اعدته صناديق "كابيك" في فندق الخاطر.. دعاني إليه ولد خطري، وقد جلست الى مائدته، هو و السيناتور محسن، ولم تعجبني مجالسة الاخير، مع أنه حاول أن يكون لطيفا، رغم حُزونة طبعه..

لم يطِب لي الثواء، فغادرت.. ولم ألتق بعدها ولد خطري، إلا في دار النعيم.

أتاحت لي ظروف السجن أن أتعرف كثيرا على هذا الرجل التحفة.. فلك أن تحدث ما شئت عن حسن اخلاقه، وحلاوة معشره، وعن نباهته وذكائه، وسعة ثقافته واطلاعه.

كل السجناء والسجانين يكنّون له احتراما وتقديرا.. فحين يحتاج سجين ما الى من يمد له يد العون في مأكل أو مشرب أو كسوة، فلن يجد أندى كفا من ولد خطري، رغم أنني أشهد على ما كان يقاسيه من ظروف جعلته يستبدل مدرسة كان يدرس فيها أولاده بأخرى أقل تكاليف منها.

في سجن دار النعيم كنا نرى السجين منهم يتعرض لأبشع صنوف التعذيب، لأن كؤوس الأتاي التي أدارها على النقيب وملازميْه لم ترق لهم نكهتها.. وقد يضربون سجينا مثل يعقوب ولد افاجي لأنه لم ينجح في ان يبعث حرسيا أرعن على الضحك.. وكنا نتألم لذلك ألم المغلوب على أمره، الذي لا يأمن أيضا على نفسه قهر الرجال.. إلا أن ولد خطري لم يكن ليألوَ جهدا في رفع الظلم عن اولئك المساكين، مستخدما دبلوماسيته الرزينة، واسلوبه "الديماني" الحصيف..

امام أعيننا، سقط مشلولا، آخرَ النهار، رجل كان في أوله جلداً، قوي البنية، مفتول العضلات، بسبب ارتفاع في ضغط دمه.. وكان الشيخ ديكو احد اصدقاء مراهقة ولد خطري، فجزع كثيرا على حاله، وآلمه ان يرى صديقه طريح الفراش، لايقدر على الكلام، يدبّ الموت في اجزاء جسمه دبيبَ الَخدَر، ورغم ذلك يمنعه مسيّر السجن السيئ الخَلق والخُلق من ان يغادر زنزانته الى المستشفى..

بذل ولد خطري جهده في أن يحصل صديقه المشلول على حرية مؤقتة، فكان له ذلك، وهو يغالب دمعه العصيّ.

ظل ولد خطري طيلة إقامتي معه رئة سجناء دار النعيم التي يتنفسون بها.. فقد وجدوا في بساطته وتواضعه موئِلاً، وفي انسانيته وعطفه ملجأ، من قساوة السجان، وصلف الجلاد.

اكثر ما تبرز فيه انسانية ولد خطري هو علاقته بأسرته.. فحين يستقبل الرجل زوجته وابنائه في الأيام المقررة من طرف إدارة السجن للقائه بهم، تأسرتك مشاهد الحنان الذي يغدقه على ابنائه، فيكاد يلين لها فؤاد الحجر الصلد.

كم رأيته يلاعب ابنته "الدلوعة" خدوج، التي لم تألف وجهه إلا وراء القضبان، فقد كانت تناغي في مهدها، متشبثة بطرف ثوبه، حين طرق "اللصوص" بيته، ليعتقلوه.

كان، من زنرانته، حريصا على أن يتابع احوال أسرته الصغيرة، مهتما بتعليمهم، يتابع نتائج امتحاناتهم، فيكافؤ منهم ويعاقب (أو لنبدل "قاف" العقاب تاءاً، فلم يكن الرجل يعاقب ابنائه إلا بأن يعاتبهم).

مرت سنتان، دون ان تزوره والدته التي اقعدها المرض حين بلغها نبأ اعتقال ابنها "البار" (هكذا كانت تشهد له كلما ساقها الحديث لذكر أحمد).. وحين قررت ان تزوره في معتقله، كان لقاؤها بفلذة كبدها كافيا لأن يدمي قلوب السنديان..

لست واثقا كثيرا أن للجنرال عزيز، كما لغيره من البشر، فؤاداً تختلجه المشاعر، غير أنه لا تخامرني ريبة أن المشهد المؤثر، الذي رأيته بعيني، كفيل بأن يمنح ذئابا قلوب حملان.

احياناً، أفكر بمنطق شديد الدوغمائية في سذاجة الجنرال عزيز، فمَ الذي ربحه من اعتقال انسان بريء، وإطار كفؤ تشهد لغة الأرقام والوثائق علي ادائه الرائع في "برو كابيك"؟

في حين، أنه كان بإمكانه لو احسن تسيير علاقته به، بمنطق سياسي لايحتفظ باعداء ثابتين، ان يجعل من هذا الحرطاني الموهوب، المحبوب، وجها سياسيا ينافس هيمنة بيجل ولد هميد في الترارزة، في عهد يدّعى اصحابه العمل على قص اجنحة صقور الفساد.

فالرجل اضافة للكاريزما التي منّ الله عليها بها، ولثقافته الواسعة، وذكائه الحاد كنصل الخنجر، يتبنى في موضوع "العبودية" مقاربة منصفة، تتجنب الصدام والحلول الراديكالية.. ورغم أنني أخالفه في بعض تفاصيلها، إلا أنه يتقن سرقة اعجابي به وإكباري لعمق رؤاه، حين يشرح له بمنطقه الهادئ: كيف يمكن أن ننصف العبيد ولحراطين، دون أن نجعل من ظالمي الأمس مظلومين غدا؟

أنا ايضا أفكر في هذه اللحظة: ترى كيف يمكن أن ننصف احمد ولد خطري؟!


وللاطلاع على الجانب الفني لتسيير احمد خطري لبروكابيك اضغط هنا


hanevy@gmail.com هذا البريد محمى من المتطفلين , تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire